الشباب المغربي يحلم بالسكن: اتفاقية تاريخية لدعم اقتناء المساكن بأسعار تفضيلية

في خطوة تُعد من أهم المبادرات الحكومية لدعم الشباب وتمكينهم من تحقيق حلم امتلاك السكن، تم توقيع اتفاقية شراكة تاريخية يوم الخميس 6 فبراير 2025 بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ووزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان، ومجموعة العمران. تهدف هذه الاتفاقية إلى تسهيل حصول الشباب المغربي على مساكن بأسعار منخفضة، وذلك من خلال آلية مبتكرة يتم تنفيذها عبر "جواز الشباب"، البرنامج الذي أصبح بالفعل منارة لخدمة الشباب في مجالات متعددة مثل النقل والرياضة والثقافة والأنشطة الشبابية.

يأتي هذا المشروع في ظل جهود الدولة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه فئة الشباب، وخاصةً في ظل ارتفاع أسعار العقارات وتزايد صعوبة الحصول على قروض بنكية بشروط ميسرة. ومن هنا، اعتبرت الحكومة أن دعم السكن للشباب دون سن الثلاثين خطوة استراتيجية ستساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، كما أنها تُحفّز الشباب على الاستثمار في المستقبل والمشاركة الفعالة في تنمية البلاد.


تفاصيل الاتفاقية: الأهداف والمزايا

أولاً: أهداف الاتفاقية

تهدف الاتفاقية الموقعة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الأساسية، منها:

  • تسهيل الولوج إلى السكن: توفير آلية تمنح الشباب المغربي، سواء كانوا مقيمين داخل المملكة أو في الخارج، إمكانية اقتناء السكن بأسعار مخفضة مقارنة بسوق العقار التقليدي.
  • تحقيق العدالة الاجتماعية: نظراً لما يشهده سوق العقارات من ارتفاع في الأسعار، تأتي هذه المبادرة لتخفيف العبء المالي عن الشباب وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على سكن لائق.
  • دعم الاندماج الاقتصادي: من خلال توفير سبل تسهيل عملية امتلاك المساكن، يُتوقع أن يُحدث هذا المشروع تأثيراً إيجابياً على الاقتصاد الوطني من خلال تحفيز الطلب على العقارات وزيادة النشاط في قطاع البناء والتعمير.
  • توفير فرص تدريب مهني: لا تقتصر الاتفاقية على تقديم تخفيضات مالية فحسب، بل تشمل أيضاً توفير فرص تدريبية (Stages) داخل إدارات العمران، ما يساهم في تأهيل الشباب وإكسابهم مهارات عملية تساعدهم في سوق العمل.

هذه الأهداف تتماشى مع رؤية الحكومة الشاملة لدعم فئة الشباب، وتوفير بيئة تضمن لهم مستقبلًا أفضل في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.

ثانياً: المزايا والتخفيضات المقررة

وفقاً للنصوص الواردة في الاتفاقية، تتضمن المزايا المقدمة ما يلي:

  • تخفيض 5% على جميع مشاريع السكن: يشمل ذلك الشقق والقطع الأرضية التي تنفذها مجموعة العمران، مما يجعل السعر النهائي للعقار أقل بنسبة ملحوظة عن الأسعار السوقية.
  • تخفيض إضافي بنسبة 2% عند وجود عروض خاصة: وفي حال توافرت عروض ترويجية أو خصومات إضافية من قبل الجهات المنفذة للمشروعات، يتم تطبيق هذا التخفيض الإضافي.
  • تفاوت التخفيضات وفقاً لقيمة العقار: حيث يتراوح مبلغ التخفيض المقدم للشباب ما بين 15 ألف درهم إلى 100 ألف درهم، ويمكن أن يصل إلى مبالغ أعلى إذا تجاوزت قيمة العقار حاجز الـ2 مليون درهم.
  • فرص تدريب داخل إدارات العمران: تعد هذه النقطة من الجوانب الهامة في الاتفاقية، إذ تتيح للشباب فرصة اكتساب الخبرات العملية والتأهيل المهني ضمن بيئة عمل متطورة.

وبحسب تقارير عدة مصادر إعلامية، فإن هذه الاتفاقية ستُطبّق على مشاريع عقارية موزعة على مناطق وأقاليم مختلفة من المغرب، ما يضمن وصول الدعم إلى أكبر شريحة ممكنة من الشباب في مختلف أنحاء المملكة. وقد ذكرت تقارير من هسبريس وSNRT News أن هذه المشاريع تشمل مدنًا مهمة مثل فاس، إفران، مكناس، سلا، القنيطرة، الدار البيضاء، وجدة، إضافة إلى العديد من المدن الأخرى في مختلف الجهات.


توزيع المشاريع: جغرافية التغطية وإمكانيات الولوج

تم تصميم الاتفاقية لتشمل مجموعة واسعة من المشاريع العقارية التي ستقام في عدة مناطق استراتيجية في المغرب. ومن بين هذه المناطق:

  • المدن الكبرى والمراكز الحضرية: مثل الدار البيضاء، وجدة، والرباط، حيث يتوفر الطلب الكبير على السكن وتمتلك هذه المدن فرصاً اقتصادية واجتماعية مميزة.
  • المناطق الإقليمية والصناعية: تشمل مدن مثل فاس، مكناس، إفران، التي تعتبر محاور إقليمية استراتيجية تسعى الحكومة إلى تعزيز التنمية فيها.
  • المناطق النامية والريفية: حيث تعمل الاتفاقية على دعم التنمية المتوازنة من خلال توفير سكن بأسعار معقولة في مناطق كانت تعاني من نقص في المشاريع السكنية ذات الجودة العالية.

تأتي هذه التوزيعات ضمن رؤية شاملة لتحسين مستوى المعيشة في مختلف أنحاء المملكة، كما أنها تهدف إلى تقليل الفوارق الإقليمية وتعزيز التنمية المتوازنة في المناطق المختلفة. وقد أشارت تقارير عدة إلى أن الاتفاقية ستُطبّق على مشاريع في مناطق مثل فاس، إفران، مكناس، عين توجطات، تامسنا، تيفلت، سلا، القنيطرة، سيدي سليمان، المحمدية، بوزنيقة، الدار البيضاء، بوسكورة، سيدي حجاج، تيط مليل، مديونة، السطات، لبروج، حد السوالم، العيون، بويزاكرن، بوجدور، وجدة، العروي، ميدلت، بودنيب، بولمان، دادس، ورزازات، الفقيه بنصالح، وتدرك، خريبكة، بني ملال، سيدي جابر، دار ولاد زيدوح، أمليل، قم ودي، واوزيغت، بولونوار، قصبة تادلة، الشرافات، الحسيمة، الفنيدق، تطوان، القصر الكبير، اليوسفية، سيدي المختار، سيدي بوعثمان، وتامنصورت – ما يؤكد شمولية المبادرة لتغطية كافة مناطق المملكة وفقاً لما ورد في LE360 ومنصات إخبارية أخرى.


"جواز الشباب": بوابة متكاملة لدعم الشباب

لا تقتصر خدمات "جواز الشباب" على دعم السكن فحسب؛ إذ تعد هذه المبادرة منصة شاملة تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات للشباب المغربي، منها:

  • خدمات النقل: حيث يتم تيسير الولوج إلى وسائل النقل الحديثة مثل الترامواي والقطارات والحافلات، مما يسهم في تخفيف تكاليف التنقل وتحسين جودة الحياة.
  • خدمات ثقافية ورياضية: تتيح هذه الخدمات للشباب المشاركة في الأنشطة الثقافية والرياضية التي تعزز من الروح الوطنية وتدعم الصحة الجسدية والنفسية.
  • فرص التدريب والتكوين: بالإضافة إلى دعم السكن، تُقدم الاتفاقية فرص تدريبية داخل إدارات العمران، مما يؤهل الشباب للعمل في القطاع العقاري ويعزز من قدراتهم المهنية.
  • دعم التوظيف: من خلال شراكات استراتيجية مع قطاعات مختلفة، يُسعى لخلق فرص عمل مستدامة للشباب ضمن منظومة متكاملة تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وفقاً لما أفاد به alyaoum24 وغيرها من المصادر، فإن "جواز الشباب" قد ساهم بالفعل في تسجيل أكثر من 250 ألف شاب في خدماته المتنوعة، ويُتوقع أن يصل الرقم إلى أكثر من 2.6 مليون شاب بحلول عام 2026. هذه الأرقام تعكس حجم الاهتمام الذي يوليه الشباب لهذه المبادرة، وتوضح أن الحكومة تسعى لتكون جزءاً فعالاً في تحسين حياة الملايين من الشباب المغربي.


التحديات والانتقادات المحيطة بالمبادرة

رغم الأهداف النبيلة للاتفاقية والمزايا العديدة التي تقدمها، واجهت المبادرة انتقادات من بعض فئات المجتمع. ومن أبرز هذه الانتقادات ما يتعلق بتحديد فئة الشباب المستهدفة – أي من هم دون سن الثلاثين. فقد أعرب بعض الشبان الذين تجاوزوا هذا العمر عن استيائهم من الإقصاء، معتبرين أن الدعم يجب أن يشمل فئة أوسع من الشباب نظرًا للتحديات الاقتصادية التي يواجهونها جميعاً.

وأشار منتقدون إلى أن:

  • تحديد السن بدقة قد يؤدي إلى خلق فجوة بين من هم تحت الثلاثين ومن هم فوقها، مما يجعل العديد من الشباب الذين يعانون من البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة غير قادرين على الاستفادة من الدعم رغم امتلاكهم كفاءات ومؤهلات عالية.
  • المبادرة قد تكون جزءاً من استراتيجية أوسع لتحفيز الشباب على دخول سوق العقار عبر القروض البنكية، مما قد يؤدي إلى مشكلات مالية مستقبلية تتعلق بعبء الديون، كما انتقد بعضهم ما وصفوه بأنه "تشجيع على القروض" دون توفير ضمانات كافية.

وقد تناولت عدة وسائل إعلامية هذه الانتقادات في تقارير منفصلة، إذ اعتبر البعض أن مثل هذه السياسات قد تُسهم في زيادة معاناة الشباب بدلاً من تخفيفها، خاصةً في ظل ارتفاع معدلات البطالة وصعوبة الولوج إلى سوق العمل. وقد وردت هذه الانتقادات في تقارير من هسبريس وأخبارنا المغربية، حيث أُثيرت تساؤلات حول مدى شمولية هذه المبادرة وعدالة توزيعها.


الفوائد المتوقعة من الاتفاقية على المدى الطويل

في ضوء التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشباب المغربي، يُمكن تلخيص الفوائد المحتملة لهذه المبادرة على النحو التالي:

  1. تحسين القدرة الشرائية:
    سيتيح التخفيض بنسبة 5%، بالإضافة إلى التخفيض الإضافي في حال توفر العروض، تخفيضاً ملحوظاً في الأسعار النهائية للمساكن. هذا ما سيخفف العبء المالي عن الشباب ويسهم في زيادة فرص امتلاكهم لمساكن لائقة.

  2. تعزيز الاستقرار الاجتماعي:
    من خلال تمكين الشباب من الحصول على سكن دائم ومستقر، يُتوقع أن تنعكس هذه الخطوة إيجاباً على استقرار الأسر والمجتمع بشكل عام، حيث يُعتبر السكن أحد الحقوق الأساسية التي تضمنها الدساتير والوثائق الدولية لحقوق الإنسان.

  3. تحفيز النشاط الاقتصادي:
    ستُحدث الاتفاقية تأثيراً مضاعفاً على الاقتصاد الوطني عبر تحفيز قطاع البناء والتعمير، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة النشاط الاقتصادي في مختلف المناطق، خاصةً تلك التي تقام فيها المشاريع السكنية.

  4. رفع مستوى التأهيل المهني:
    من خلال تقديم فرص التدريب والتكوين في إدارات العمران، سيتاح للشباب اكتساب مهارات جديدة تؤهلهم لسوق العمل، وبالتالي تحسين فرص توظيفهم ورفع كفاءاتهم المهنية.

  5. دعم المبادرات الحكومية الأخرى:
    يُعد هذا المشروع جزءاً من رؤية شاملة لدعم الشباب، إذ يتكامل مع مبادرات أخرى مثل دعم النقل، والثقافة، والرياضة، والتكوين المهني. هذه الرؤية المتكاملة ستساهم في خلق بيئة تنموية متوازنة تعزز من دور الشباب كمحرك أساسي للتنمية في المغرب.

  6. تحقيق التكافؤ الإقليمي:
    بما أن الاتفاقية تمتد لتشمل مشاريع في مختلف أقاليم المملكة، فإنها ستساهم في تقليل الفوارق الإقليمية وتوفير فرص متساوية لجميع الشباب، سواء في المدن الكبرى أو في المناطق النائية.

تأتي هذه الفوائد في سياق جهود الحكومة لتعزيز التنمية المستدامة وشمولية السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يعكس التزام المسؤولين بتوفير فرص حقيقية تساهم في تحسين جودة حياة المواطنين.


رؤية مستقبلية: دمج الشباب في صميم التنمية الوطنية

إن الدعم الذي تقدمه هذه الاتفاقية لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يمتد ليشمل تغييراً ثقافياً واجتماعياً هاماً، حيث يُنظر إلى الشباب كشريك أساسي في بناء مستقبل البلاد. وفي هذا السياق:

  • تعزيز روح المبادرة والابتكار:
    يُتوقع أن يؤدي تمكين الشباب من امتلاك سكن بتكلفة مخفضة إلى زيادة حماسهم للمشاركة في مجالات اقتصادية جديدة، مما يُحفّزهم على الابتكار وتطوير مشاريعهم الخاصة.

  • خلق جيل واعٍ ومسؤول:
    من خلال توفير التدريب والتكوين المهني، ستسهم الاتفاقية في إعداد جيل قادر على تحمل المسؤوليات والمشاركة الفعالة في صناعة القرار، مما ينعكس إيجاباً على مستقبل التنمية الوطنية.

  • تعزيز التكامل بين القطاعات:
    يظهر المشروع نموذجاً ناجحاً للتعاون بين القطاعين العام والخاص، حيث تتضافر جهود وزارة الشباب ومجموعة العمران لتقديم حلول مبتكرة تُلبي احتياجات الشباب وتدعم الاقتصاد الوطني.

  • تمكين الشباب من المشاركة في الحياة العامة:
    من خلال حصول الشباب على سكن لائق ومستقر، سيصبحون أكثر قدرة على المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية، مما يعزز من مفهوم المواطنة الحقيقية ويقوي الروابط الاجتماعية داخل المجتمع المغربي.

وقد أكد مسؤولون في وزارة الشباب والثقافة والتواصل أن هذه المبادرة ليست سوى خطوة أولى ضمن سلسلة من المشاريع التي تهدف إلى دعم الشباب وتمكينهم في مختلف المجالات، وأنه سيتم متابعة تنفيذها بدقة لضمان تحقيق الأهداف المنشودة وتلبية توقعات الفئات المستهدفة بشكل عادل وشفاف.


خاتمة

إن توقيع اتفاقية دعم السكن للشباب أقل من 30 سنة يمثل منعطفاً حاسماً في سياسة الدولة تجاه الشباب، حيث يأتي هذا المشروع لتلبية حاجة ملحة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الكثير من الشباب المغربي. فهو ليس مجرد تخفيض في الأسعار، بل هو رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، وخلق فرص جديدة للتدريب والتوظيف.

وبالرغم من الانتقادات التي وُجهت لتحديد الفئة العمرية المستهدفة، فإن هذه المبادرة تُعد خطوة مهمة نحو تحسين مستوى المعيشة لدى الشباب، وهي دليل آخر على حرص الدولة على دمج الشباب في صميم عملية التنمية الوطنية. كما أن شمولية المشاريع الجغرافية وتوزيعها على مختلف أقاليم المملكة يُظهِران مدى التزام الحكومة بتوفير فرص عادلة ومتساوية لجميع المواطنين، دون استثناء.

في نهاية المطاف، يبقى الأمل معقوداً على أن يُحدث هذا المشروع تغييراً إيجابياً في حياة الشباب المغربي، وأن يُشكل نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً واستقراراً، يستند إلى التكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة. وبينما يترقب الشباب تنفيذ الاتفاقية واستفادة آلاف العائلات منها، يبقى السؤال المطروح: هل ستتوالى المبادرات الداعمة للشباب بنفس الوتيرة لتحقيق تحول حقيقي في المشهد الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب؟ الإجابة ستكون مع الزمن، لكن الخطوة الحالية تُعد بلا شك واحدة من أهم المبادرات التي بدأت في رسم ملامح مستقبل أكثر عدالة وازدهاراً للشباب المغربي.

المصدر:

بهذه المبادرة الطموحة، يأمل المسؤولون في أن تكون هذه الاتفاقية بمثابة نموذج يُحتذى به في دعم الشباب وتمكينهم من تحقيق الاستقلالية والازدهار، مما سينعكس إيجاباً على المجتمع بأسره وعلى مستقبل المملكة المغربية.

ليست هناك تعليقات